دراسة في المادة 77 و78 من قانون الالتزامات والعقود المغربي

يعد قانون الالتزامات والعقود المغربي (ق.ل.ع.) من القوانين الأساسية التي تنظم العلاقات التعاقدية والالتزامات المدنية في المغرب. يحتوي القانون على عدة مواد تحدد حقوق والتزامات الأطراف المتعاقدة، ومن بين هذه المواد تأتي المادتين 77 و78، اللتان تشكلان أساسًا هامًا في تحديد المسؤولية المدنية والأضرار الناتجة عن الفعل الضار.

 نص المادتين

المادة 77:

كل فعل ارتكبه الإنسان عن بينة واختيار ومن غير أن يسمح به القانون، فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير، ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر، إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حدوث الضرر.

المادة 78:

كل شخص مسؤول عن الضرر الذي أحدثه لا بفعله فقط ولكن بخطئه أيضا وذلك عندما يكون هذا الخطأ هو السبب في حدوث الضرر. ولا يكون هناك محل للمسؤولية المدنية إذا كان الضرر ناجما عن سبب أجنبي لا يد للمدعى عليه فيه، كالسبب الطارئ أو القوة القاهرة أو خطأ المضرور أو خطأ الغير.

التحليل القانوني

 المادة 77: المسؤولية عن الفعل الضار

المادة 77 تحدد الأساس القانوني للمسؤولية المدنية الناتجة عن الفعل الضار. لتطبيق هذه المادة، يجب توافر الشروط التالية:

1. الفعل الضار:

   - التعريف: الفعل الضار هو أي تصرف يقوم به الفرد يتسبب في إلحاق ضرر مادي أو معنوي بشخص آخر.

   - مثال: إذا قام شخص بإتلاف سيارة جار له عن عمد، فإن ذلك يعد فعلًا ضارًا يستوجب تعويض الضرر الناتج عن هذا الفعل.

2. الاختيار والبينّة:

   - التعريف: يشترط أن يكون الفعل قد ارتكب عن قصد واختيار، بمعنى أن يكون الفاعل على دراية بما يفعله ويقوم بذلك عن إرادة حرة.

   - مثال: إذا قام شخص بإلقاء نفايات في ملكية جاره عن علم وإرادة، فإن هذا الفعل يدخل ضمن إطار المسؤولية لأنه ارتكب عن بينة واختيار.

3. الضرر:

   - التعريف: يجب أن ينتج عن الفعل ضرر ملموس سواء كان ماديًا (كالإضرار بالممتلكات) أو معنويًا (كالإضرار بالسمعة).

   - مثال: إذا تسبب فعل شخص ما في حريق أدى إلى تلف منزل شخص آخر، فإن هذا يشكل ضررًا ماديًا يتوجب تعويضه.

4. العلاقة السببية:

   - التعريف: يجب أن يكون هناك علاقة سببية مباشرة بين الفعل والضرر، بمعنى أن يكون الفعل هو السبب الرئيسي لحدوث الضرر.

   - مثال: إذا قام شخص بقطع شجرة تقع في حديقة جاره مما أدى إلى سقوطها على سيارته وتدميرها، فإن العلاقة السببية بين الفعل (قطع الشجرة) والضرر (تدمير السيارة) تكون واضحة.

 المادة 78: المسؤولية عن الخطأ

المادة 78 توسع نطاق المسؤولية لتشمل الأفعال التي تنجم عن خطأ الفاعل، حتى لو لم يكن الفعل مقصودًا. لتطبيق هذه المادة، يجب توافر الشروط التالية:

1. الخطأ:

   - التعريف: يشمل الخطأ أي إهمال أو تقصير في أداء واجب معين يؤدي إلى وقوع ضرر.

   - مثال: إذا ترك سائق سيارة أبواب السيارة مفتوحة في منطقة مزدحمة مما أدى إلى إصابة أحد المارة، فإن السائق يكون قد ارتكب خطأ يستوجب التعويض.

2. الضرر:

   - التعريف: كما هو الحال في المادة 77، يجب أن ينتج عن الخطأ ضرر مادي أو معنوي للغير.

   - مثال: إذا أدى إهمال طبيب أثناء عملية جراحية إلى تدهور صحة المريض، فإن الضرر هنا يستوجب تعويضه.

3. العلاقة السببية:

   - التعريف: يجب أن يكون الخطأ هو السبب الرئيسي في وقوع الضرر، مما يربط بين تصرف الفاعل والنتيجة الضارة.

   - مثال: إذا تسبب إهمال موظف في مصنع في وقوع حادث أدى إلى إصابة عامل، فإن العلاقة السببية بين الإهمال (الخطأ) والإصابة (الضرر) تكون واضحة.

 الدفاعات القانونية ضد المسؤولية

تتضمن المادة 78 أيضًا بعض الدفاعات القانونية التي يمكن أن تعفي الفاعل من المسؤولية، منها:

1. السبب الأجنبي:

   - التعريف: إذا كان الضرر ناتجًا عن سبب خارج عن إرادة الفاعل، كالقوة القاهرة أو السبب الطارئ.

   - مثال: إذا تسببت كارثة طبيعية غير متوقعة في إلحاق الضرر بممتلكات شخص ما، فإن الفاعل لا يكون مسؤولًا إذا لم يكن له يد في هذا الحدث.

2. خطأ المضرور:

   - التعريف: إذا كان الضرر ناتجًا عن خطأ المضرور نفسه، مما يرفع المسؤولية عن الفاعل.

   - مثال: إذا قام شخص بالدخول إلى منطقة ممنوعة وتعرض للإصابة، فإن الفاعل (مالك المنطقة) قد لا يكون مسؤولًا عن الأضرار.

3. خطأ الغير:

   - التعريف: إذا كان الضرر ناتجًا عن خطأ شخص آخر غير الفاعل، مما ينفي المسؤولية عنه.

   - مثال: إذا تسبب خطأ عامل في شركة صيانة في إلحاق الضرر بأحد الأجهزة، فإن الشركة قد تدعي أن الخطأ ليس منها بل من العامل.

 أمثلة تطبيقية

1. الفعل الضار:

   - مثال: إذا قام شخص بإلقاء حجارة على نافذة جار له وتسبب في كسرها، فإن هذا يعتبر فعلًا ضارًا وفقًا للمادة 77 ويستوجب تعويض الضرر الناتج عن هذا الفعل.

2. الخطأ:

   - مثال: إذا قام مهندس بتصميم بناء بشكل خاطئ مما أدى إلى انهياره، فإن المهندس يكون مسؤولًا عن تعويض الأضرار الناتجة عن هذا الخطأ وفقًا للمادة 78.

 خلاصة

تشكل المادتان 77 و78 من قانون الالتزامات والعقود المغربي إطارًا قانونيًا متينًا لتحديد المسؤولية المدنية عن الأفعال الضارة والأخطاء. تضمن هذه النصوص حماية حقوق الأفراد من الأضرار التي قد يتسبب فيها الآخرون، مع توفير دفاعات قانونية عادلة للمسؤولين عن تلك الأضرار. من خلال تطبيق هذه المبادئ، يسعى القانون إلى تحقيق التوازن بين حماية حقوق الضحايا وضمان العدالة للفاعلين.

تعليقات